قصص

قصة حارة الشيطان

لكل مجتمع طابع خاص بيه، والعادات والتقاليد والموروثات؛ هما اللي بيشكلوا فكر المجتمعات، أو الجزء الأكبر منه، والحارة الشعبية؛ هي أساس الفكر ده، أو طبقة البسطاء بما إنها الطبقة الأغلبية في معظم المجتمعات، وخصوصًا في مصر، وأغلب المعتقدات دي غريبة جدًا، وبتكون ناتجة عن جهل كبير.. زي مثلًا: إن لما واحدة بتولد بيعملوا للمولود سبوع وبيحطوا سكينة تحت راسه، ويفضلوا يخبطوه في الأرض عشان مايطلعش جبان وخواف.. أو مثلًا الشائع بالاعتقاد بالأعمال السحرية في صورة تقريب الخير، الي ما اتجوزتش ونفسها تتجوز، واللي ما بتخلفش ونفسها تخلف، واللي بينها وبين جوزها مشاكل وعايزة المشاكل دي تتحل وغيرها من الحاجات اللي زي دي، لكن النية هنا مش دليل على الخير، لأن النية هنا في صورة مؤكدة في الوقوف قصاد مشيئة ربنا بشكل أو بآخر (مَعاذ الله). والنتيجة في الآخر بتكون كارثية.
وبسبب معتقدات الجهل والخرافات، اتحول اسم منطقة كلها لمنطقة الشيطان.. كانت منطقة اعتيادية، الناس عايشين اليوم بيومه، بياكلوا ويشربوا ويشتغلوا، لحد اليوم اللي هبط عليهم فيه ساكن جديد، الساكن اللي فيه كل خصائص الشيطان، بل هو شيطان فعلًا بس من الإنس، ومن يومها والمنطقة اتبدل حالها. المنطقة دي استقبلت في يوم زائر غريب، راجل حب يستأجر أوضة فيها فوق سطوح بيت من البيوت، عامر أو الراجل ده كان كبير في السن ووحيد، وده خلى الناس أهل المنطقة يوافقوا على وجوده وسطهم، لأنهم كانوا بيرفضوا وجود أي حد غريب وسطهم، لكن طيبة القلب والإحسان خلوهم يتخلوا عن القاعدة والقانون اللي رسموه للحياة ما بينهم.. وقد كان، استأجر عامر أوضة صغيرة فوق سطوح، ومع وجوده في الأوضة دي، بدأوا الناس يلاحظوا إن عامر الراجل الستيني مش بيظهر ويخرج من أوضته إلا نادر جدًا، وإنه لما بيظهر لبسه بيكون غريب شوية، جلابية واسعة جدًا، عمة مليانة نقوش، دقن مغطية ملامحه كلها بالكامل ما عدا عينيه، حتى طريقة كلامه غريبة، لكن ده ماكنش بالنسبة لهم دليل على حاجة، أهو راجل كبير في السن والسلام، واللي باقي له في الدنيا مجرد أيام.. وفي ليلة من الليالي؛ كانت ست من ستات المنطقة واقفة في بلكونتها بتنشر، واللي بتطل على الشباك الصغير اللي في أوضة عامر، وساعتها لمحت إن في نار جوه الاوضة، خافت لأن الأوضة هي شايفاها بتولع، لكن النار كانت ضعيفة جدًا، وقبل ما تصرخ وتصوت عشان الناس تتكلم وتلحق الراجل اللي أوضته بتولع؛ فجأة لسانها اتشل، جسمها اتخشب، بقت واقفة زي الصنم بالظبط، لما شافت كيان أسود مرعب بيخرج من جوه النار دي، وساعتها صرخت، فالناس اتلموا بسبب صرخاتها، ولما الكل سألها بتصرخ ليه قالت: _ أنا شوفت حريقة جوه أوضة الراجل الغريب ده، وأول ما جيت أصرخ اتشليت مكاني واتخرست، وشوفت؛ بسم الله الرحمن الرحيم، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، خرج من النار بسم الله الحفيظ؛ حاجة سودا كبيرة، وشه شبه الخرفان، وجسمه إنسان وماشي على ٤ رجول. بعد كلامها ما حدش صدقها، وأنا واحد منهم، والكل قالها إنها بتخرف، وعدى الموقف وفات، وخصوصًا إن الناس وأنا معاهم، مالقيناش حاجة في أوضة عامر، ولا أي أثر لنار فحم شيشة ولا طفية سيجارة حتى.. مع مرور الأيام؛ كان كل فترة قريبة، غالباً كل يومين أو تلاتة، كان حد من سكان المنطقة بيحكي إنه شاف حاجة غريبة في أوضة عامر، أو في طريقته، أو في لبسه، وإن الكل حس نفس الإحساس اللي الست حست بيه، من خوف ورعب وشلل كامل ورعشة في الجسم. وفي فجر يوم من الأيام؛
كان الدنيا سكون والناس نايمة، بس كان فيه حاجة غريبة. الجو مكتوم ومافيش نسمة هوا، والقمر نوره خافت كإن في حاجة مغطياه ومانعة نوره يوصل للأرض، وده خلى الست فتحية ماتعرفش تنام طول الليل، وزود قلقها إنها كانت بتفكر في اللي حصل وشافته عند عامر في الأوضة، من ساعة ما شافت المنظر المرعب ده، وهي مش لا قادرة ولا عارفة تنام، فقررت تقوم تعمل كوباية شاي يمكن أعصابها تهدا، وقامت دخلت المطبخ حطت البراد على النار، وساعتها
وهي في المطبخ سمعت صوت خبط على باب بيتها، قلبها وقع في رجليها، خافت وجسمها اترعش وهي عمالة تقول: «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، خير اللهم اجعله خير يا رب، ده مين ده اللي جاي الفجر».
كان لازم تروح تفتح، لأن اللي بيخبط بابها لسه بيخبط، راحت بخطوات بطيئة وهي بتترعش ووقفت ورا الباب وسألت بنبرة خوف:
_ مين؟ مين اللي بيخبط؟
الصوت اللي جاوبها كان مألوف بالنسبة لها لكنها ماكنتش قادرة تحدد صاحبه، وقال:
_ أنا جارك القديم يا فتحية، افتحي.
فتحية اترددت تفتح ولا لا، لكن حب الاستطلاع والفضول غلبوها، فتحت الباب بإيد مهزوزة من الرعب، ولقت قدامها راجل عجوز، عينيه غايرة في وشه، ولابس جلابية وعباية صعيدي، وساعتها قال لها:
_ مش فاكراني يا فتحية؟ أنا عم صالح، اللي كنت ببيع الأدوسية على أول الحارة، ما أنتي كنتي صغيرة ساعتها، وشابة لسه في بداية حياتك، كبرتي يا فتحية، وأنا خلاص عجزت.. أنا رجعت عشان أقولكم حاجة مهمة جدًا، أنا جيت أحذركم.
فتحية سحبته من إيده لجوه شقتها بسرعة وقفلت الباب وراه وقالت:
_ فاكراك يا عم صالح، ماحدش بينسى الطيبين، بس جاي تحذرنا من إيه، وخصوصًا بعد الغيبة الطويلة دي؟
عم صالح قعد على الكنبة البلدي اللي في صالة شقة فتحية، وعيونه ونظراته حايرة في الشقة، كأنه بيدور على حاجة، وبعدها رجع قال:
_ أحذركم من عامر.. عامر ده مش بني آدم يا فتحية.
فتحية حست بقشعرة في جسمها غريبة، زي ما تكون حاجة كهربتها، وخلت جسمها كله يتهز، وقالت بسرعة:
_ يعني إيه مش بني آدم، هيكون إيه يعني، إيه الكلام الغريب ده؟
اتنهد عم صالح وقال:
_ أنا هفهمك يا بنتي، من ٤٠ سنة، كنتي أنتي صغيرة خالص، يجي عندك ٤ سنين فمش هتفتكري، كان فيه راجل شبه عامر ده بالظبط جه سكن في المنطقة هنا، كان اسمه سليمان. في الأول كان هادي وغلبان، بس بعد ما سكن بمدة صغيرة، بدأت ألاحظ عليه حاجات غريبة.
عم صالح سكت مرة واحدة، وفجأة بص ورا فتحية، عينيه برقت وخرجت بره وشه من الخوف، وقتها فتحية لفت بسرعة تبص وراها، لأنها كانت قاعدة ووراها الشباك، لكن ماشافتش أي حاجة غريبة، فسألت عم صالح:
_ سكت ليه يا عم صالح ولا شوفت إيه؟
رد عم صالح وقال لها:
_ لا مافيش، ولا حاجة، خليني بس أكمل لك الحكاية، سليمان ده كان بيعمل طقوس غريبة كل ليلة، ولأني كنت ساكن في أوضة فوق سطح قريب من أوضته، في العمارة اللي جمبكوا بعمارتين دي، مرة كنت أشم روايح بخور غريبة، ومرة أسمعه بيقول حاجات عجيبة، وكلام مش مفهوم، لحد ما في ليلة سمعت أصوات صراخات أطفال جاية من أوضته، ساعتها قولت مابديهاش بقى، لازم أتحرك، ونزلت جريت جمعت الناس وطلعنا على أوضته، ولما حاولنا ندخل، لقينا الباب مقفول من جوه، ساعتها كسرنا الباب ودخلنا، بس لقينا الأوضة فاضية، سليمان ماكنش جوه، وبقينا مستغربين إزاي الأوضة اتقفلت من جوه مش من بره.. بعدها بليلة، كل سكان المنطقة صحيوا على صوت صرخات أم رامي، لما كانت بتقول إن الشقة اللي تحت أوضة عامر بتتحرق بالكامل.. اتجمعوا سكان المنطقة وطلعوا على الشقة يجروا عشان يطفوها وينقذوا الناس اللى جواها، وبفضل الله قدرنا فعلًا نسيطر على النار اللي ماكنتش كبيرة أوي. والشقة دي كان بيسكنها راجل وبنته ومراته، وبعد ما قدرنا نسيطر على الحريق، اكتشفنا إن البنت مش موجودة، ومابقاش حد فاهم البنت اختفت إزاي ولا راحت فين، وأبوها وأمها بيقولوا إنهم مش فاكرين أي حاجة، ولا حتى فاكرين النار دي حصلت إزاي ومنين، كلنا شكينا إن سليمان السبب، طلعنا على أوضته بسرعة، وزي المرة اللي قبلها، الباب مقفول من جوه، مع إننا كنا كسرناه، وهو ماظهرش عشان نقول إنه جه وصلحه، يبقى إزاي اتقفل وكمان اتقفل من جوه، كسرنا الباب تاني، ولما دخلنا مالقيناش أي حاجة، وهنا خدنا القرار، وحرقنا أوضته لحد ما اتصفت والنار كلتها، وعدت الليلة على كده، لكن الليلة اللي بعدها؛ سمعنا صوت سليمان بيزعق بغضب من على السطح اللي فوقه أوضته، وبيقول وبيتوعدنا بالانتقام، وإنه راجع وهياخد حقه مننا كلنا، من كل سكان الحارة، وعلى ما نزلنا نجري وطلعنا فوق السطح عشان نكتفه ونعرف ده مين كان اختفى، واتبقى مكان ما كان واقف ريشة سودا، سليمان ده هو عامر يا فتحية يا بنتي، ورجع عشان ينتقم، ده مش إنسان، عامر ده شيطان.
لما صالح خلص كلامه وقال جملته الأخيرة النور اتقطع لثواني ورجع، ومع رجوع النور كان عم صالح اختفى، فتحية قامت مذعورة دورت عليه زي المجنونة في كل حتة، بس مالقتهوش، كإنه فص ملح وداب، وقتها فتحية رجليها مابقيتش شايلاها من الرعب، ووقعت على الأرض، وهي بتسأل نفسها مين الراجل المخيف ده، وإزاي اختفى في ثواني كده، وساعتها فكرت إن ممكن ده مايكونش صالح أصلًا، وعرفت إن اللي في المنطقة ده أكبر من مجرد راجل غريب، عامر ده شر قديم ورجع تاني، وكل أهل الحارة في خطر.
ساعتها أنا رجعت من الشغل، لأني بشتغل في كافيه وبرجع البيت وقت الفجر، ولما فتحت باب الشقة ودخلت، لقيت أمي قاعدة على الأرض في الصالة، فتحية هي أمي، قومتها بسرعة وسألتها عن السبب اللي خلاها تقعد كده، وليه وشها أصفر ومخطوف بالشكل المرعب ده، فحكيت لي حكاية عم صالح، وسليمان اللي هو عامر، لما خلصت كلامها، سمعت صوت حركة جاي من بره باب الشقة، جيت أروح أشوف إيه الصوت ده، النور قطع، ولقيت أمي بتقول لي اوعي تفتح، والنبي أوعى تفتح، فاضطريت بس أبص من العين للسخرية، ولمحت ظل واقف في الضلمة، عينيه منورة بلون أحمر وبتلمع، وصوت ضحكة شيطانية بتملى السكون وفجأة اختفى، لكني قولت لأمي إني ماشوفتش حاجة عشان ماتخافش..
قومتها؛ وساعتها لمحت المشهد اللي هي حكيت لي عليه، الشقة اللي تحت أوضة عامر بتولع، جرينا بسرعة وورايا كل أهل الحارة، لما طلعنا كل واحد بسرعة حاول يطفي الحريق، وربنا قدرنا ولحقنا الدنيا قبل ما النار تكبر وتاكل كل حاجة في طريقها، وساعتها لقينا البنت بنت صحاب الشقة اختفت، معقول! يعني اللي قالته أمي على لسان صالح كان هو اللي لسه هيحصل؟
الشقة اللي ولعت، والبنت اللي اختفت، وأبوها وأمها اللي مش عارفين هي اختفت إزاي؟
لقيت كل الناس بيقولوا إن أكيد عامر له يد في الموضوع، فجرينا طلعنا على أوضته، وزي ما سمعت بالظبط، الأوضة مقفولة من جوه، ولما كسرنا الباب مالقيناش أي حد في الأوضة، لقيت نفسي بسكت، مش عارف أقول اللي حصل ولا لا، مع إني لو قولت الكل هيصدقني، بس خوفت؛ خوفت أقول فيحرقوا الأوضة والدنيا تخرب أكتر، بس رجعت قولت لنفسي، طيب هو في خراب أكتر من اللي عمال يحصل ده؟
نور الشمس ابتدى يطلع على الحارة، ووقتها
المعلم سيد بتاع الفول قال بصوت واطي
_ هنفضل ساكتين كده لحد إمتى يا اخوانا، لازم نعمل حاجة. البنت اختفت وما حدش عارف راحت فين، ولا أبوها وأمها حتى.
أم البنت فضلت تعيط وتلطم على وشها وهي بتقول:
_ يا ناس، يا هو، أنا عايزة بنتي، يا سمر أنتي فين؟ والنبي ردي عليا قلبي بيتقطع عليكي.
فجأة ومرة واحدة كده، ظهر واحد غريب وسطنا وإحنا واقفين، لا نعرف جه منين ولا إزاي.. راجل طويل، لابس بدلة سودا ونضارة شمس، وقال:
_ أنا الضابط عادل، وجاي أحقق في اختفاء البنت.
كلنا بصينا له بريبة وشك وذهول واستغراب، أحاسيس كتير متداخلة وإحنا ما حدش فينا فاهم حاجة، ظابط إيه وجه منين، مش ده معاون المباحث المسؤول عن منطقتنا، المعلم سيد سبقنا وسأله:
_ وحضرتك عرفت منين؟ إحنا لسه مابلغناش، أساسًا من الموضوع ما فاتش عليه غير ساعة ولا حاجة.
الراجل ابتسم ابتسامة غريبة وقال:
_ مش مهم تبلغوا، لأن أنا بعرف كل حاجة يا معلم.
الظابط عادل زي ما قال خلص جملته وولع سيحارة، وبص لأبو سمر وسأله:
_ إمتى آخر مرة شفتوا فيها سمر؟
أبو رامي حاول يفتكر وقال:
_ آخر حاجة فاكرها إن سمر كانت نايمة في أوضتها قبل الحريق، وبعدها مش فاكر حاجة خالص.
لقينا الظابط مسك دماغه فجأة، كأنه حس بألم جامد أو جاله صداع، وقال:
_ الموضوع أكبر من حكاية اختفاء، في.. في قوة غريبة هنا مسيطرة على المكان.
أم رامي صرخت فيه وقالت:
_ أنا عايزة بنتي، مين خطف بنتي؟
الظابط حرك وشه وعينيه وبص لفوق، ناحية سقف أوضة عامر، اللي كان بابها مفتوح، وقال:
_ الإجابة فوق، في سقف الأوضة أو فوق منه.
دخل الظابط عادل الأوضة بسرعة وإحنا وراه، وساعتها وقفنا كلنا واتفاجئنا، لأن الأوضة المرة دي لقينا فيها حاجات مريبة: شموع سودا مثبتة في زوايا الأوضة وفي كل مكان تقريبًا، رسومات على الحيطان لرؤوس خرفان على شكل إنسان، نجوم خماسية وسداسية، دواير مكتوب في كل دايرة حرف أو رقم، الحيطة كانت أشبه بجسم واحد من عصابات المافيا مليان وشم، وعلى السرير من النص، كان في ريشة لونها أسود،
الظابط شاور على الريشة وقال:
_ هي دي العلامة، الريشة هي العلامة، دي مش ريشة عادية أبدًا، دي ريشة غراب.
مسك الريشة وخرج بره، وخرج ولاعته من جيبه وحرق الريشة لحد ما اتحرقت بالكامل فدهسها برجله، وفجأة جري لناحية سور السطح من ورا الاوضة، وفضل يتعلق ويمسك في الاوضة من بره لحد ما طلع فوق سقفها، وده كان صعب جدًا، ارتفاع الأوضة عالي، ومافيش سلم، وهو عمل كده بكل سلاسة، كإنه حرفيًا متربي في سيرك، وبمجرد ما طلع فوق الأوضة واختفى عن نظرنا، سمعنا صوت بنت بتصرخ. كان صوت سمر! مجموعة من الناس جريوا ونزلوا جابوا سلم، حطيناه وطلعنا فوق سقف أوضة عامر.. وهنا وقفنا كلنا متنحين ومصدومين، عنينا برقت من الدهشة والاستغراب، لأننا لقينا سمر متكتفة ونايمة على الأرض، فضلت تصرخ وهي مرعوبة، وانهارت لما شافتنا وفضلت تعيط وصراختها تزيد، أخدناها ونزلناها تحت، أمها جريت عليها وحضنتها وفضلت تقول:
_ يا حبيبتي يا بنتي، كنتي فين؟ مين عمل فيكي كده، إيه اللي حصل؟
_ الراجل اللي طلع لي وشال من على بؤقي الرباط اللي كان كاتم صوتي، هو الي كتفني وخطفني، وهو اللي فك لي الرباط، أهو واقف فوق الأوضة أهو.
شاورت سمر ناحية سقف الأوضة من فوق، وبصينا كلنا، ولقيناه، كان الظابط عادل، اللي اترسمت على وشه ضحكة مريبة مرعبة، وبعدها اتحرك ناحية سقف الأوضة من ورا واختفى عن عنينا، ولما جرينا وطلعنا تاني ماكنش ليه أي أثر، ومستحيل يكون نط من فوق، مافيش أي بيت ورا الاوضة، مافيش إلا الشارع، والسطح في الدور ٥.. ساعتها نزلنا تاني وإحنا مش فاهمين أي حاجة، هنتجنن من الحاجات العجيبة اللي بتحصل دي، ولقينا سمر بتقول:
_ لما فك بؤقي، ساب الريشة دي في شعري.
ومدت ايديها بريشة سودا، ريشة غراب زي اللي هو حرقها قصادنا بالظبط.. ده بقى معناه إيه، يخطفها، وبعدين يدلنا على مكانها، و..، ما أهو مش معقول يكون مش بشري، ويبقى عادل هو صالح هو سليمان هو عامر.. ولا مش معقول ليه، هو اللي بيحصل ده ينفع يبقى معقول، ولا حتى جنون، ده عدى مرحلة الجنون بمراحل..
الناس وقفت مصدومة، المعلم سيد قال بصوت مرتعش: _ يا ناس إحنا في مصيبة كبيرة، كارثة سودا، الشيطان نفسه بيلعب بينا وبحارتنا..
بس ماحدش رد عليه، مافيش حد ولا أنا كان فاهم حاجة عشان يلاقي حاجة يقولها، فاكتفينا إن على الأقل سمر رجعت، وإن ماحصلهاش أي أذى الحمد لله، وكل واحد فينا راح لحال سبيله.. بس الأيام مرت غريبة ومقبضة، أهل الحارة كلهم اتاكدوا إن في حاجة مش طبيعية بتحصل. الخوف كان مليهم، وشوشهم بهتانة، والكلام بقى على القد، وكل واحد مابيصدق يخلص شغله ويرجع بيته، يقفل على نفسه، لا حاجة وحشة تحصل لحد من أهل بيته..
وفي يوم؛ أم سعيد كانت قاعدة قدام بيتها، تقطع البرسيم للأرانب، وتبل العيش للبط والطيور، وساعتها شافت قطة سودا بتجري ناحيتها، ومرة واحدة القطة وقفت قدامها وبصت لها بعيون حمرا، أم سعيد صرخت: _ بسم الله الرحمن الرحيم، لا تأذينا ولا نأذيك، أعوذ بالله من الشيطان.
لكن القطة اتحركت بسرعة وهجمت عليها، نطت على وشها وخربشتها في خدها، زي ما يكون ضوافرها فيها موس، والدم نزل على الأرض، وشكّل حروف غريبة وأرقام، وأم سعيد أغمى عليها في وقتها من الخوف.
نقلناها للمستشفى، واتخيطت ٦ غرز، وخدناها ورجعنا على المنطقة، وإحنا عقولنا هتشت منا بسبب كل الأحداث اللي بتحصل، بس الحياة لازم تمشي، ناس مننا قعدوا على القهوة يحاولوا يلاقوا تفسير لكل اللي بقينا عايشين فيه ده، وناس تانية اتفرقت، اللي راح على شغله، واللي كان لسه راجع فطلع ينام..
ومحمود الجزار واخد من الناس اللي راحت تشوف أكل عيشها، مشي على محله وفتح، وأول لما دخل المحل؛ شم ريحة غريبة. ريحة نتنة كإن في جثة جوه المحل، فضل يدور مالقاش حاجة، بص على التلاجة لقى الفيش في مكانها وكل حاجة تمام، بس الريحة فضلت موجودة، ولما فتح التلاجة ماقدرش يتحمل الريحة، بطنه قلبت وكان هيغمى عليه، لما لقى اللحمة كلها عفت، والدود بقى بالكوم حواليها وجواها، فضل يصرخ وخرج بره المحل بسرعة، وكلنا كالعادة اتلمينا، ووقفنا بنفس الإحساس قصاد موقف جديد مريب وعجيب ومالوش أي تفسير، نضفنا معاه التلاجة والمحل وأحنا مش قادرين من كتر ما الريحة لا تطاق، ورمينا اللحمة، وقولنا له ربنا يعوض عليك، وكل واحد راح لحال سبيله، اتصلت بالشغل وأخدت إجازة، ما شغل إيه بقى بعد كل اللي بيحصل ده، وكنت خايف على أمي أوي لأنها لوحدها، واتفقت مع الرجالة إننا نتجمع بعد صلاة العشا، نقعد ونتكلم كلنا يمكن نلاقي حل..
وبليل، لما الشمس غابت، الدنيا ضلمت ضلمة غريبة أوي ، ضلمة غطت الحارة بالكامل.. فجأة، سمعنا صوت عيال في الحارة بتجري وبتضحك. كل الناس طلعوا بلاكوناتهم وشبابيكم عشان يشوفوا في إيه بيحصل. لقينا عيال صغيرة كتير جدًا عمالين يجروا ويضحكوا ضحكات مفزعة ومرعبة في الحارة، والأغرب إن العيال دي كلها مالهاش ضل على الأرض.. ساعتها
المعلم سيد خرج من محله يشوف في إيه زي الناس، وقدر إنه يمسك عيل من العيال دي. وأول ما المعلم سيد حط ايده على الواد، جسمه كله اتكهرب واتخشب، وفضل يترعش، الواد بص له بصة مرعبة، وضحك له ضحكة شيطانية، ملامح وشه اتحولت لمسخ لعين، وعينيه بقت لونها أحمر بيلمع، في وقتها المعلم سيد ساب الواد ووقع على الأرض.
نزلت أجري عشان نلحق عم سيد، بس لما نزلت كان فاق، وبدأ يبقى كويس، وسمعت صوت صرخة هزت قلبي، كان صوت صرخة فتحية، فتحية أمي، طيرت زي المجنون على فوق، لقيت أمي بتترعش، وشها أصفر زي المركم، شفايفها زرقا من الخوف، وعنيها مبرقة وفي ايدها ورقة، روحت جيبت ماية وشربتها، وفضلت اغسلها وشها لحد ما بقت أحسن، ولما سألتها عن الي حصل قالت في حضور الناس اللي اتلمت بسبب صراختها وجريتي عشان ألحقها:
_ أنت نزلت وأنا قفلت الباب وراك لأنك سيبته مفتوح، وقعدت اقرأ قرآن بصوت عالي، فجأة سمعت خبط على الدولاب الي في أوضتك، ولما قربت من الأوضة وبصيت، شوفت وش غريب بيبص لي، الوش كان لونه أبيض زي الجير، وعينيه سودا زي الليل. ففضلت أصرخ وأنت جيت بسرعة.
بمجرد أمي ما خلصت كلامها، سمعنا الناس بتجري وتصرخ. واحد من أهل الحارة أقسم إنه شاف واحد ماشي من غير راس، وواحد تاني قال إنه شاف الحيطان بتنزف دم.. وواحد تالت قال إنه شاف واحدة ست لابسة أسود ماشية على الهوا من غير رجلين.. وسط الفوضى دي ظهر عامر. كان ماشي ببطء في الشارع، والناس بتبعد عنه. الكل كان خايف منه، وقف في نص الحارة ورفع إيديه الاتنين لفوق وهو بيبتسم ابتسامة شيطانية كلها شر.. فجأة الأرض اتشققت حواليه وطلع منها دخان أسود كثيف. الدخان لف حوالين عامر، وبدأ ياخد شكل كائن مرعب، هو هو الكائن اللي اتوصف قبل كده أبو وش شبه الخروف، بس جسمه جسم إنسان، وكل جسمه مغطيه ريش أسود زي ريش الغراب وليه جناحين كبار.
عامر ضحك ضحكة عالية وقال:
_ يا أهل الحارة، ده لسه أول الليل. والليل طويل، والحكاية لسه مابدأتش.
الكائن اللي اتشكل من الدخان صرخ صرخة هزت الحارة كلها، الناس حست إن الموت قرب منهم، ومن ورا الكائن المسخ ظهرت سمر، البنت اللي كانت مخطوفة، عينيها كانت بتلمع بلون أحمر زي النار، وقفت جمب عامر والكائن المسخ المرعب، وبصت للناس وقالت بصوت مش صوتها، صوت غليظ بشع:
_ جه وقت الحساب، كل واحد فيكم هيشوف جهنم على الأرض، سليمان رجع من تاني.
قولت في نفسي: يعني ده مش عامر؟ وهو متقمص شكل عامر زي ما تقمص هيئة صالح والظابط، ده فعلًا شيطان رجيم، إحنا بنواجه شيء ما يقدرش عليه غير ربنا، يا رب ساعدنا، يا رب ساعدنا.
عامر أو سليمان مد إيده لسمر، والكائن زعق من تاني،
الحارة كلها وقفت مشلولة من الخوف، والكل حس إن النهاية قربت..بس فجأة كإن ربنا سمع دعايا، أصل ربنا رحيم بالغلابة اللي زينا، ولازم ينصر الخير مهما طال الشر وكبرت قوته.. ولقينا ظهر نور قوي من بعيد، نور بيقرب بسرعة ناحية الحارة، أما سليمان والكائن بصوا ناحية النور بخوف، ولسان حال كل واحد فينا من أهل الحارة بيسأل نفسه: «يا ترى مين اللي ده؟ وهل هيقدر ينقذ الحارة قبل ما تتحول لجهنم على الأرض؟».
النور القوي قرب أكتر، والناس غمضت عنيها من شدته، ولما فتحنا عنينا، شوفنا شيخ كبير واقف قصادنا، لابس جلابية بيضا ومعاه مصحف في إيده.
لكان سليمان كان لسه واقف، وساعتها الشيخ الشيخ بص له وقال بصوت قوي:
_ كفاية لعب يا ملعون، الحارة دي مش هتبقى بوابتك للعالم السفلي مرة تانية، ارجع لمكانك في الجحيم يا رجيم.
سليمان ضحك ضحكة شيطانية وقال له:
_ أنت فاكر نفسك مين يا شيخ؟ أنا أقوى من أي بني آدم. وأنا لا عامر ولا الظابط ولا صالح ولا سليمان حتى، أنا مارق ابن بارق ابن نارق.
الشيخ رفع المصحف وبدأ يقرا آيات معينة، الكائن المسخ اللي كان واقف جنب الشيطان ده بدأ يصرخ من الألم وتلاشى في الهوا واختفى.. مرة واحدة خرجت نار من الشقوق اللي كانت في الأرض وحاوطت وحاصرت عامر أو سليمان الشيطان، عيونه بقت حمرا زي الجمر، وصوته اتغير:
_ أنا ملك من ملوك الجن في العالم السفلي، وحقي هاخده، زي ما خدته من عامر، هاخده من كل أهل الحارة دي لأنهم ساعدوا عامر زمان على حبسي. وأنتم أولاد وأحفاد الناس دي.
الناس صرخت من الخوف، الشيخ قرب منه وهو بيقرأ آية الكرسي، حاول مارق إنه يهجم على الشيخ، بس النار اللي حواليه منعته.
ساعتها سمر اللي كانت مسحورة وقعت على الأرض وبدأت تترعش. طلع من بقها دخان أسود.
المعلم سيد صرخ:
_ يا شيخ، إنقذنا الحارة هتولع.
الشيخ بص للناس وقال:
_ قولوا ورايا! لا إله إلا الله، له القدرة المطلقة على خلقه، وقادر على كل شيء وانهاء شر.
الناس كلها بدأت تردد وراه، وكل ما صوتهم يعلى، النار حوالين مارق تزيد.
مارق صرخ:
_ مش هتقدروا توقفوني! أنا هاخد الحارة دي كلها معايا للجحيم.
فجأة الأرض اتشقت تحت رجليه. ونار عظيمة طلعت من الشق وبدأت تسحبه لتحت.
الشيخ فضل يقول:
_ ارجع لمكانك يا ملعون.
مارق صرخ صرخة هزت الحارة كلها،النار زادت وغطته وبلعته جواها، والناس سمعت صوت صراخه وهو بينزل في الأرض.
وفجأة، كل حاجة وقفت. النار اختفت، والدخان راح. والحارة رجعت هادية تاني.
الشيخ وقع على الأرض من التعب، الناس جريت عليه، وأنا سألته:
_ أنت مين يا شيخ؟ وإزاي عرفت تيجي هنا؟
الشيخ بص لي بتعب وإرهاق وقال:
_ أنا كنت صاحب عامر الحقيقي، اللي هنا ده كان روح شريرة سرقت شكله.
المعلم سيد سأله:
_ طب وعامر الحقيقي فين؟
الشيخ قام بصعوبة:
_ لازم ندور عليه، أنا حاسس إنه لسه عايش، الرؤية بتقول إنه محبوس هنا في مكان ما.
فقولت:
_ البير، البير القديم المقفول اللي في آخر الحارة، لازم نروح ندور هناك.
سمعنا صوت ضحكات شيطانية حوالينا، الأرض اتهزت من تاني، ورجع صوت مارق من جديد:
_ الليل لسه طويل، جولة انتهت، بس لسه الحفلة ماخلصتش يا أهل الحارة.
الناس بصت للشيخ بخوف. الشيخ مسك المصحف جامد وقال:
_ المعركة الحقيقية لسه مابدأتش، وشيطان زي ده صعب التغلب عليه بسهولة، لازم نتحرك بسرعة، ومانخليهوش يسيطر علينا بالخوف.
جرينا كلما ناحية البير، اللي كان مقفول من سنين وسنين، اللي جاب مرزبة، واللي جاب صاروخ عشان نعرف نكسر غطاه، خدنا يجي ساعة على ما قدرنا إننا نشيل الغطا من على البير بالكامل، وساعتها سمعنا صوت خارج من عمق البير، صوت أنين مكتوم، والبير كان ضلمة كحل، وخارج منه ريحة نتنة وقذرة ما يعلم بيها إلا ربنا، الشيخ رجعنا كلنا لورا وقال إنه هو اللي هينزل، وفعلاً نزل، وبمجرد ما اختفى عن نظرنا، بدأنا نسمع أصوات خبط ورزع، وأصوات صراخات كإن في ناس بتتعذب تحت، غاب يحي ساعة، وخرج وهو شايل راجل عجوز وتعبان وضعيف جدًا، ساعتها كان عم عيد موجود معانا، وده راجل كبير وعجوز، وهو أقدم واحد في الحارة من جيل زمان، عنده يجي ١٠٠ سنة مثلاً، بس لسه صحته كويسة بالنسبة لسنه، أول ما شاف الراجل الضغيف قال:
_ هو ده عامر، ده عامر الحقيقي
عامر فتح عينيه بصعوبة وقال:
_ الحمد لله إنك أنقذتني يا شيخ.
أدينا له ماية يشرب، ولما بقى كويس بس للشيخ وقال له:
_ مهمتك خلصت، واللي جاي مهمتي أنا.
الشيخ ابتسم له وسابنا ومشي، وأحنا لا فاهمين حاجة، ولا مستوعبين حاجة، وساعتها قال عامر لينا كلنا:
_ مافيش وقت، لازم نتحرك بسرعة، لازم نقفل البوابة اللي اتفتحت في الحارة، وبقت منفذ للعالم السفلي، لازم نلاقي المفتاح.. ده مفتاح البوابة، وأنا خبيته في المسجد القديم، ده المكان الوحيد اللي مارق مايقدرش يدخله، لأنه لو لقى المفتاح وبقى معاه، ماكنش هيبقى في أي سبيل أننا نعرف نقفل البواية، أنا ضحيت بنفسي زمان مقابل ده، لكن ما قدرتش أقفل البوابة، مالحقيتش وهو كان أسرع مني.
الناس جريت على المسجد القديم، ولما دخلنا عامر قال:
_ المفتاح تحت المنبر
كلنا جرينا المعلم على المنبر، ولأنه كان ضخم زحزحنا بسرعة، ولقينا تحته زي غطا كده في الأرض، فتحناه ولقينا جواه صندوق صغير. ولما فتحناه طلع منه نور قوي.. سمعنا صوت مارق من بره:
_ المفتاح الأخير ده ملكي، هاتوا المفتاح.
عامر مسك المفتاح وقال:
_ يا أهل الحارة! قولوا ورايا.. يا ملك الأرض والسماء، يا قاهر فوق عبادك، ورادع الشر، حررنا من الشيطان مارق.
لما بدأنا نقول مارق اختفى، وساعتها عامر قال:
_ أنا قفلت لمارق بوابات كتير، لكنه قدر يفتح بوابة هنا، ودي آخر بوابة يقدر يفتحها، لأن المنطقة هنا كانت وكر للدجالين، وخصوصًا سليمان للدجال، اللي جاب مارق للعالم ده، ولما أهالي المنطقة فاقوا واتبعوني، وناصروني مع إني كنت غريب وسليمان كان منهم، قدرنا نموت سليمان، لكن ساعتها مارق حبسني، بس الحمد لله إني كنت خبيت المفتاح، والشيخ دور عليا كتير لحد ما لقاني، وقدرنا نتواصل في عالم الرؤى، لأن كل شيء بأوان، أما مارق فكان بيدور طول المدة دي على المفتاح، ولما عرف مكانه رجع الحارة من جديد، والمفتاح ده بيقفل البوابة نهائي، وهي مفتوحة دلوقتي، بس عمرها ما حد يقدر يتحكم في قفلها أو وجودها من غير المفتاح..
الصندوق اللي فتحناه كان كبير، والمفتاح اللي جواه حجمه كبير، كله من دهب وبيلمع، وعليه آيات وأذكار.
ساعتها عامر شاور لنا وهو بيبتسم، وبان على وشه الهدوء، وأخد مننا المفتاح وخرج بره المسجد، ولما خرجنا وراه كان اختفى، فص ملح وداب، وساعتها الضلمة اختفت، والنور غطى الحارة كلها، والحارة رجعت زي الأول نظيفة وهادية.
ساعتها عامر ظهر مرة واحدة ومانعرفش جه منين ولا راح فين، وقال لنا:
_ خلاص، الحمد لله. قدرنا نقفل البوابة للأبد..
الناس فرحت، اللي فضل يكبر، واللي سجد، واللي زغرطت، ولقيتني بسأله:
_ بس أنت مين، إزاي عايش كل المدة دي في البير وأنت متكتف؟
طبطب على كتفي وقال:
_ الدنيا دي كلها أسرار، ماينفعش نعرفها، كل اللي أحب إنك تعرفه، وتعرفوه كلكم، إن جنود الله في كل مكان وكل وقت.
المعلم سيد بص له:
_ أيوا برضو إحنا لازم نعرف، أنت تبقى مين؟
عامر ابتسم وقال له:
_ جند من جنود الله، عشت هنا من زمان، وهفضل أحرس الحارة دي.
كانت إجابة كافية للناس، أو يعني ماهمهومش شكل الإجابة ولا قناعتهم بيها، لأن فرحتهم إن الغم والرعب انتهى كانت أكبر ومغطية على أي إحساس تاني جواهم.. وفضلوا يرقصوا ويهللوا ويوزعوا شربات طول اليوم لحد بعد العشا.. وساعتها كان عامر اختفى من وسطنا، وماحدش عرف هو راح فين.
مرت شهور على أحداث الليلة المرعبة دي. الحارة رجعت لحياتها الطبيعية، والناس بدأت تنسى – أو تحاول تنسى – اللي حصل.
في يوم من الأيام، كان المعلم سيد قاعد قدام محله لما شاف عامر ماشي في الشارع. استغرب أوي، وسأله:
_ روحت فين طول المدة دي؟ وايه خلاك تظهر من جديد؟
عامر قعد جنبه، وعينيه فيها نظرة غريبة.
_ الدنيا هادية قوي النهار د، مش كده يا معلم
_ الحمد لله. بقالنا فترة ماشوفناش حاجة غريب، والفضل لله وليك من بعد ربنا.
عامر ابتسم ابتسامة غامضة وقال:
_ هدوء غريب، هدوء قبل العاصفة.
سيد بص له باستغراب وخوف:
_ قصدك إيه؟
عامر وقف وبص للسما:
_ واضح إن الحارة دي ماضيها بيطاردنها، والماضي جزء من الحاضر، لسه في أسرار كتير لسه مستخبية، لسه في حد بينكم بيحاول يفتح البوابة، حد أسوأ من الشيطان، الشخص ده من نسل سليمان.
وقبل ما سيد يرد، عامر مشي.
ولقينا في عيل صغير جاي يجري يصرخ، ولما سألناه في إيه خلاه يصرخ كده، قال إنه كان بيلعب عند البير، وسمع أصوات همس مرعبة طالعة من البير. قرب عشان يسمع، شاف عنين حمرا بتبص له من جوه البير.
تمت..
حارة الشيطان
#فهد_حسن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى